علي وجيه
أثارتْ دعوةُ مقتدى الصدر لاعتبار “عيد الغدير الأغر” عطلة رسميّة ردودَ فعل متعددة، من أقصى القبول لأقصى الرفض، من الطيف السياسيّ العراقيّ كلّه تقريباً، بما فيهم خصومه الإطاريون، وبين مؤيّدٍ ورافض، عادت أفكار متعددة إلى الواجهة، تخصّ العطلة، والحادثة نفسها، والجدوى منها، وما يُمكن أن يُعتبرَ حادثةً تجمعُ أو تُفرّق.
يرفعُ محمّد النبي (ص) يدَ ابن عمّه (ع)، ويقولُ جملته الشهيرة “من كنتُ مولاه..” إلى آخره، فيثبّت الحادثة مؤرخو السنّة والشيعة، والصحابة، والتابعون، والشعراء، وهي من الحوادث القليلة التي يتفقُ على حدوثها المسلمون، رغم اختلاف ما حصلَ بعدها من توتّرات سياسيّة بعد رحيل الرسول (ص) أدّت لفعلِ عكس ما أوصى به في غدير خم.
الأمر لا يتعلّقُ تماماً بالغدير، يمدّ أي أحد يديه في أيّ كتاب سيرى الحادثة، لكن الأمر متعلّق بمُضمَرٍ يتعلّق بكل عناصر الجماعة الشيعية في العراق، التي يُرغب باعتبارها جماعةً من الدرجة الثانية، هي وعناصرها الثقافيّة التي تكوّن سرديتها، ويتجلّى ذلك بشكلٍ واضح في التعاطي مع عناصرها، فالصابئيّ الهابطُ الى النهر، هو دينٌ وتنوّع، والمشي إلى الحُسين (ع) خرافة وتعطيلُ مصالح، يُحتَفلُ مع المسيحيين بأعيادهم جميعاً، رغم تنافرها مع المروية الإسلامية، ويُرفَضُ حدثٌ أثبتَهُ السنّة قبل الشيعة.
فَرمُ العلامات الشيعيّة، والتهوين منها، هو امتداد طبيعيّ للإلغاء السياسيّ الذي تعرّضت له هذه الجماعة المُعارضة طيلةَ ١٥قرناً، وبسبب هذا الإلغاء يبدو كلّ شيء غالياً في “متحف العلامات الشيعيّ”، ما صغر منه وما كبر، من أقصى الموثوقيات التأريخية وليس انتهاءً بأقل التفاصيل الشعبيّة، وهذه ردّةُ الفعل الطبيعيّة لكلّ جماعة يُهدّد وجودها بسبب هويّتها، يتمّ التمسّك بكل عناصرها وبأعلى درجات القوّة.
فَرمُ العلامات الشيعيّة، والتهوين منها، هو امتداد طبيعيّ للإلغاء السياسيّ الذي تعرّضت له هذه الجماعة المُعارضة طيلةَ ١٥قرناً، وبسبب هذا الإلغاء يبدو كلّ شيء غالياً في “متحف العلامات الشيعيّ”، ما صغر منه وما كبر، من أقصى الموثوقيات التأريخية وليس انتهاءً بأقل التفاصيل الشعبيّة، وهذه ردّةُ الفعل الطبيعيّة لكلّ جماعة يُهدّد وجودها بسبب هويّتها، يتمّ التمسّك بكل عناصرها وبأعلى درجات القوّة.
التهوين والإلغاء والخدش، نسقٌ ثقافيّ يُعبَّرُ عنه بلا خجل، بداعي “السلم المجتمعيّ” الذي يهدّده، ويا للعجب! محمّد وعليّ بن أبي طالب، نبيّ هذا الأمة، وإمامها، وخليفتها الرابع، والمُفارقةُ أن مَن يدافع عن “السلم” هذا هو مَن رُكِبَ من قبل أقذر التنظيمات الإرهـ!بية التي اجتاحت وقتلت السنّة، يوم كان يحرّضُ هو نفسه، على قوّاتنا الأمنية، خميس الخنجر ويحيى الكبيسيّ مثالاً لا حصراً.
ليس من الضروريّ أن يُرضي الشيعة الجميع، ناهيكم عن إرضاء هذا السياسيّ أو ذاك، وأنّ لكلّ جماعة الحقّ المباشر بأن تحتفي بهذا الأمر أو ذاك، ما دام جزءاً من هويّتها، فكيف إن كان الحجر الأساس الذي بُنيت عليه الهويّة الشيعية؟ وبالمقابل ليقدّم السنّة يومَهم الذي يمثّلهم، والكردُ، والتركمان، وغيرها من المكوّنات المجتمعيّة في العراق، لكي يشعر كلّ منهم أن له يوماً، وتمثيلاً، واعتزازاً بهذه الهويّة التي تمثّله، بلا بحثٍ عن طهرانيّة حياديّة زائفة، لمواطن لا لون ولا طعم ولا رائحة له، لم يُخلَق بعد.
من بين كلّ مَن أثبتوا حديث الغدير، أجدني أنتبهُ بشكلٍ خاص للصحابيّ المُحتال عمرو بن العاص، بكل تأريخه الشائك، من قبل ولادته إلى وفاته، لكنه تجلّى بلحظة موضوعيّة، وهو يذكّرُ معاوية بن أبي سفيان، وكلاهما خصمٌ لعليّ، بقصيدته الجلجليّة الشهيرة، بالحادثة وملابساتها، فعجبتُ لأمرين: الأول كيف يُمكنُ أن يكون عمرو بن العاص موضوعيّاً لهذه الدرجة أكثر من أكاديميّ طائفيّ يرتدي البذلة السموكن، أو سياسيّ يشتركُ مع الشيعة بكلّ مصالحه الاقتصادية وليس آخرها الفندق العملاق في المنطقة الخضراء، وكيف أنَّ النبيّ محمّد (ص) بتفصيلةٍ واحدة: رفعَ يدَ عليّ (ع) بيده ليُظهرَ بوقتٍ واحد “بياضُ إبطه” كما يعبّر المؤرخون، وسواد أرواحهم في هذا الأمر.