علي وجيه
أنا ابنُ مدارس تأنيب العربيّ، المقهور المظلوم، غضب الماغوط المتدحرج نثراً، ومسرحاً على لسان دريد لحّام، قصائد نزار قبّاني وسياط أحمد مطر، شتائم مظفّر النوّاب، ابن الحديث عن ظلامات العربيّ، وما يتعرّضُ له، حتى ربطنا، نحن أبناء النصوص هذه وشبيهاتها، مصيرنا بقيام العربيّ العجيب، الذي ينفضُ عن نفسه تراب الذلّ، ليقول: ها أنا، ابن عمرو بن معد يكرب، والعباهلة، وهسيس الكهوف وخطّ المسند، روح الصحراء والكرامة، مُغيث الملهوف، الذي لا ينامُ على ظُلم.
وها همُ الكثيرون منهم، تجمّعوا، رؤوس بالآلاف، وهي تتمايلُ، لا غضباً، ولا طرباً، بل رقصاً مع تامرٍ حسنيّ، وحفلته تلك التي يفصلُ بينها، وبين بيتٍ مفرومٌ أهلُهُ مع جدرانه، خطّ على خارطة.
ثمّ تفتحُ عينيكَ، على تلفازٍ يتقيّأ تطبيعاً، بشفاهٍ ملأى بالسيليكون والأكاذيب، ووجوه شاءَ الله أن تنطقَ العربيّةَ بالعِبريّة، وهي تقودُ اللغةَ لمكامن التزييف، أن تقفَ أمام السرطان لتصفَهُ بالعافية، وأمام لطخة العار لتقلبَها “شامةَ حُسن”، وأمام ذلّ وخنوع يُسمّى “حُلولاً دبلوماسيّة”.
ثم أنني ابنُ العلوم السياسيّة، وما يحدثُ ليس علماً، ولا سياسة، بل هي أعناقٌ مُهيّأةٌ للصفع، وكرامة تُشبِهُ قطعة “WelCome” التي نمسحُ بها أحذيتنا قبل الدخول للبيت، ما يُسمّى بـ”التوازن” هو الضحكُ على طفلةٍ تحملُ أختاً جريحة، والشماتة بسنّي ظلّ يقاتلُ حتى عصاه الأخيرة، وبشيعيّ صنعوا بقتله حفرة لم تصل – رغم عمقها – لبعض قامة كرامته العالية.
ما يحدثُ عند نغلِهم المُصطَنع هو “دفاعٌ عن النفس”، ودفاعنا “إرهـ!ب”، ثمّ يقيّدون لغتك، لتقلبَ أسماء المدن، والقادة، وتكتفي من نصر ربّكَ بكُنية “أبي هادي”، ومن مُهندس الكرامة بـ”الشايب”، ومن الأول بالخاتم، والثانية بالابتسامة، ويحملُ لكَ الهواءُ العربيّ رائحة الاختناق والذل، أن يقفَ أغلب العالم، بإضاءات تليق باستوديوهات هوليوود، ليبرّروا كلّ قتل، وقنبلة، من هيروشيما وفيتنام، وصولاً للبصرة وغزّة وليس انتهاءً ببيروت.
على المرء أن يشمئزَّ ما دام في لسانه لغةٌ عربيّة، ما دامَ يحملُ ملامح، ما دامَ حزنُهُ يختلطُ بغضبِهِ، وأن يفورَ الشهيقُ والزفيرُ تحت الأعين المحمرّة، على آخر الرجال، الذين يُقتلون ويقتلون، وعلى مَن يقصفُ ولا يبالي، لأن في صدرِهِ جمرةً لا تنطفئ، يجب أن يشمئزّ المرءُ ممّن يخالطُ هواءنا بذلّه، مَن يحاول أن يضعَ الـ”سمعاً وطاعةً” وسط ما لا يقبلُ التأويل “لا!”.
أيها المسخّمون بالنفط، اعلفوا أدمغتكم الحوشيَّ والعابرَ والرخيص من الكلام، أيّها المُذلّون المُهانون، ارقصوا مع كلّ المهرجانات، ليكن كلّ عقالٍ أفعى، وكلّ غترة شرشفَ عاهر، ليكن كلّ شارب شعرَ سنجابٍ، ولتعْلَموا إنّ “خير أمّة أخرجت للناس” هم حائطُ الصدّ الوحيد، الشيعيّ الذي قُتل من أجل غزّة، والسنّي مبتور اليد في ذات المعسكر، أما أنتم، فوالله، ما بقيتْ كرامة، ولا عروبة، ولا إسلام، ولا حتّى إنسانيّة، وأنتم تُهانون يوميّاً، بكلّ رصاصة وصاروخ وتغريدة، بكلّ قبّعة حاخام متجوّلة على ترابِكم، يا مَن يخافُ من الحمّى قبلَ الموت، إن من واجبنا الاشمئزاز من كلّكم، من الهواء الذي نتقاسمه، وأن نصنعَ، بدلاً عن عتبات بيوتِنا، كرامتكم، ونشيد “بلادُ العُرْبِ أوطاني”، لنمسحَ به أحذيتنا من غبار المعارك والرفض، في الهرمجدون الأخيرة التي لا يفوزُ فيها إلاّ مَن يقولُ لا.
نشمئزُّ منكم.