طالب عبد العزيز
أما وقد أصبح شارع الفراهيدي (شارع الثقافة البصرية) واحداً من علامات مدينة البصرة فهذا والله مما يفخر به الشباب ( جماعة إنجاز) التي تبنّت فكرته، وسعت اليها، وتحققت على يدها. وسواء أكانت تسميته بشارع الفراهيدي أو شارع الجاحظ، أو الأصمعي، أو عمرو بن العلاء، أو الحسن البصري، أو واصل بن عطاء .. أو غيرهم من أساطين الثقافة البصرية، فكلّهم كبيرٌ وبصريّ. ولنا في قولة أستاذنا الشاعر كاظم الحجاج الأسوة الحسنة حيث يقول، وهو يعدّد أسماءَ أعلام الثقافة في البصرة، عبر التاريخ، فلا يقف عند رقم بعينه:”… يا لهذه الأسماء التي لو فُرّقت على قارَّةٍ لوسعتها !!!”.
القاعدة العامة عند المثقفين تقول بأنَّ رجل السياسة في العراق لم يخلق بعد، وإنَّ نسبة كبيرة جداً منهم، ممن تناوبوا على حكم البلاد يجهلون تأريخ وجغرافيا وطبيعة المجتمع العراقي، ولا نريد تصفح أخطائهم في ما تحدثوا به، وخلطهم بين بلاد الرافدين ووادي النيل، وعدم تفريقهم بين هذه وتلك، فهي كثيرة، ومصيبتنا نحن المشتغلين في حقل الثقافة هي عدم الأخذ بآرائنا، والاستعانة بمعرفتنا، وقد أنفقنا السنوات الطوال قارئين وكاتبين، وأكلت الاوراقُ أعمارنا، بتعبير نجيب المانع.
أتذكر أني والصديق د. ناصر الحجاج تداولنا اِسم الجاحظ ليكون شارع الثقافة باسمه، لكنَّ المضحك المبكي أنَّ بعضاً من أعضاء مجلس المحافظة آنذاك، قالوا بأنَّ الجاحظ (159-255ه) نعم، هو بصريٌّ لكنه لا يحبُّ آل البيت!! ولا نعرف من أين استقى هؤلاء المعلومة هذه؟ وبغض النظر عن كونه مولود ومتوفى في البصرة، على خلاف الفراهيدي (100-170 ه) المولود بعُمان والمتوفى في البصرة إلا أنَّ الجاحظ أوفر نصيباً من الفراهيدي في علمه وبصريته، وحبّه لآل البيت، فضلاً عن قيمته الأدبية، والعلمية، وموسوعيته، التي تجاوزت مئات المصنفات، وأنه مؤسّس الفرقة الجاحظية في الاعتزال، وواحدٌ من أكابر أئمة علم الكلام عند العرب، وهو الذي سقطت أرفف مكتبته عليه، فمات. فيما لا تتجاوز أهمية الفراهيدي أكثر من كونه واضع علم العروض، وصاحب العين، أول معجم للعربية.
في رسالته “استحقاق الإمامة” ج4 من رسائله يكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: “وإذا سألناهم عن الفقهاء قالوا: عليٌّ، وعمرٌ، وابن مسعود، وزيد ابن ثابت، وأبيّ بن كعب. على أنَّ علياً كان أفقههم، لأنه كان يُسألُ ولا يَسأل، ويُفتي ولا يُستفتى، ويُحتاج اِليه ولا يَحتاج اِليهم. وإنْ سألناهم عن الزّهادةِ، وأصحاب التقشّف، والمعروفين برفض الدنيا وخلعها والزهدِ فيها قالوا: عليُّ، وابو الدرداء، ومعاذ، وابو ذر، وعمّار، وبلال، وعثمان بن مضعون، على أنَّ علياً أزهدهم، لأنه شاركهم خشونة الملبس، وخشونة المأكل، والرضا باليسير.. وزهدُه أفضل من زهدهم، لأنه أعلمُ منهم” وله كتاب آخر بعنوان “في فضل هاشم على أميّة” وهو كتاب يعدّد فيه فضائل بني هاشم على بني أميّة بما لا نجده في كتاب آخر، حتى أنني أحفظ بيتَ شعر لأحد الهاشميين مخاطباً أحد الأمويين بقوله: “أبوك أبي، والجدُّ لا شكَّ واحدٌ—لكننا، فرعان، آسٌ وخروعُ”.
وبعيداً عن التسميات وأخطاء المسؤولين وسوء الفهم نقول: نريد أنْ نقفز بطموحاتنا أبعد مما تحقق للثقافة البصرية في شارعها، نعم كان اختيار المكان مناسباً، والحديقة باتت أجمل، والأكشاك والمقاعد والأشجار هي أجمل بكل تأكيد فالشارع لا يتسبب بأزمة مرورية، ولا يتضايق منه أحد من السكان، وقريب من السوق، وفي الحديقة من السعة ما يسمح لباعة الكتب بعرض بضاعتهم، وللناس ما يسمح لهم بالتجوال، وشراء الكتب، والحوار المُغني. لكنَّ المكان بحاجة الى مقهى، ودورة مياه صحية، ولا بأس بوجود مطعم، وكازينو، وقاعة سينما… أما المطلب الأهم فهو وجوب تأمين الحرية الكافية لمستعملي الشارع، وأعضاء الفرق الموسيقية، ومنع تجاوز أيِّ جهة أمنية، أو غير أمنية عليهم، ففضاء الحرية ومساحة التعبير نقطتان مركزيتان.
لا شكَّ، فهناك مساحة كبيرة للجمال تحققت، على يد الحكومة الحالية، وهناك نقلة هامّة وفاصلة بين لحظتي الافتتاح قبل سنوات وما تحقق وصار اليه اليوم، فقد أصبح الشارع دالة الأصدقاء، وملتقى المثقفين والزائرين، وعنوان من لا عنوان له، حتى ليكاد أن يكون العلامة الوحيدة التي أنجزت في ثقافة المدينة، على يد مجموعة ليست حكومية، إذا ما علمنا بوجود العشرات من منظمات المجتمع المدني. فتحية كبيرة لــ (جماعة إنجاز) وحتى تكمل الحكومة المحلية ما أشرنا اليه من متطلبات سنكون قد هيأنا لها التحية الأكبر.