إسبريسو: إبراهيم الجعفري كان على حق!

علي وجيه

ثمّةَ ما يجعلُ هذا الوطنَ عابراً، في وقتٍ عابر، يمرُّ على الوقت، فيُحيلُهُ سواداً، وأنتَ تشاهدُهُ من شرفةِ حياتكَ، متورّطاً فيه، وهو يتفنّنُ بأن يكون وطناً مُنهِكاً، مثل كابوس متكرر يوميّاً.
يستطيعُ النظامُ السياسي إقناع عديدين بأن ثمّة شيئاً جيّداً ما يحدث، وأن يقارنَ نفسَهُ مع تشاد ومالي والصومال ليرتقي قليلاً، لكنه لن يحوّل تلك القشرة اللامعة الخفيفة إلى سطحٍ صلب، تستقرّ عليه، أنتَ أيها العارف بـ”براغي” النظام الصغيرة، وشهدتَ كلّ تمظهراته، راصداً إياها بدقّة عاشقٍ يحفظُ شامات حبيبته.
ببساطة، مراهقٌ صغيرٌ، يسحبُ مسدساً صغيراً، ليقتلَ شاباً ثانياً، ببرودة دم لم تمر حتى على أداء دي نيرو، وقبلَها بيوم واحد، يُقتل بائع لبلبي في ساحة الواثق، تمرُّ عليه مُصادفةً أكثر من مرة في اليوم، وقد تكونُ هذه الرصاصة متجهة لرأسك.
دكّان النفط هذا، الريعيّ، عجيب، “يعلفُ” مواطنيه الخبز، والتعيينات، برفع إنفاقات هائلة، دون أيّ سنتمتر ستراتيجيّ، وكتلةُ النقد العراقيّة محاصرة، لا تزيدُ إلاّ أسعار العقارات اشتعالاً، وتنفخُ النساءُ العابراتُ في الوطن العابر كلّ ما تكوّرَ منهن، ويورّدن كلّ ثقب، من أجل كثيرٍ من الفحيح والأسرّة المهتزّة، من أجل “باي” لا يحقّقُ شخصيته إلاّ بسيارة غالية، ورقم مميز، وفخذين مرّا على كلّ طبيب تجميل ينتهي اسمه بـ”بيوتي”.
تظهرُ مؤخرة الوطن العابر أكثر من مصلّح مجاري ينحني تحت مغسلة، تطير الدرونات لتحرقَ سيّارة فيها مسؤول رسميّ، في لبّ الرصافة، وتطير أخرى لتقصفَ سيارة أخرى في مكانٍ قرب وزارة الداخليّة، ليظهر المسؤول الأعلى على هذين الرجلين ليقول: الفصائلُ تتحمل نتيجة أفعالها.
رتبةٌ عسكرية هائلة، يكفي ربعها لاحترام الذات، ينمزجُ مع عواهر التيك توك، وأستاذ جامعيّ يحوّل مكتبه إلى ماخور، ورجل دين يتحرّش بالأطفال في الأنبار، وعليكَ أن تُكملَ يومَكَ بسلام.
“أم اللول” تخطفُ المباراة من العراق، لتشاهدَ شبّاناً يتحلقون حولها، وهم مسرورون بالتقاط صورة مع امرأة كان إنجازها الوحيد صناعة نوع معيّن من المثلّجات، وفي جيدها حبلٌ من مسد، وترقصُ في الملهى، لتنظر: أيّ غدٍ ينتظرُ هذا البلاد، بوجود هذه العقول؟
تحاولُ قدر الإمكان، أن تقنعَ نفسك بأن ما درسته لـ ٤سنوات كان علوماً سياسية، لتكتشف أن ما درسته، وقرأتَهُ خارج الجامعة، لا علاقة له بما يحدث في البيوت: الشيعية، السنّية، الكردية، وأن السياسة العراقية فضاءُ تجريب، نعيش كلّنا تحت وطأته فئران تجارب مُكتئبة، يكبسُكَ الازدحام في الطريق، في عاصمة تتكدسُ على نفسها يومياً.
تطفئ شمعة ميلادك، لتصل الى ٥٠٪ من عمرك، الافتراضيّ، ثم تسأل نفسك هذا السؤال: أين مضت تلكم السنوات؟ وكيف ستأتي؟ وفي أيّ لحظة من الممكن أن ينهارَ الاقتصادُ العراقيّ لتُطعمَ أبناءكَ مكتبتك، كما فعلها أبوك بالتسعينات؟ أو أنّكَ تشتهي اللبلبي، لتمرّ الدراجة عليكَ، وتُحيلك لتريند سخيف ليومين؟
ثمّ تصفقُ عالياً، لهذا النظام السياسيّ الذي رمّم نفسه بعد احتجاجات تشرين، شربَ كمية هائلة من الكالسيوم، لماذا يستخدمُ سلاحاً؟ ثمة أجهزة رسمية بمتناوله، وكلّ مدون يُعتقل سيجعل الآخرين يرتجفون مثل أيقونات الآيفون، وكلّ رأي ناقدٍ سيتذوّق حجزاً لطيفاً، بمذكرة إلقاء قبض منطقية وقانونية وحلوة وحبّابة، بدلاً عن التهديد بالطريقة الكلاسيكية، رمّمَ نفسَهُ هذا النظام العجيب، ثم بلحظة إدراك أكثر عجباً، تستعيدُ ما قاله ابراهيم الجعفري، ثم تلعن نفسَكَ لفرط ما سخرتَ من جملته، تلك التي تضيءُ بهذه اللحظة منطقياً، بشكلٍ عجيب:
“عندما يتهدّدُ مصيرُنا سيخرجُ الماردُ المعنوي من القمقم ويهشّم الزجاجة، ويقول: ها أنذا، مرّة أخرى، موجود لحماية التجربة”.
بوركتَ يا جلالة المارد المعنوي، وبوركت هذه التجربة، وبوركت تلك الزجاجة التي كُسرت وتناثرت ٨٠٠ قطعة في الساحات.

مواضيع ذات صلة

البصرة تستعيد تأريخها الملاحي في شط العرب

منتسبون عبر “مرفأ”: إجازاتنا مُغتصبة بكل مناسبة.. ولم نحصل على أي امتيازات

بـ٥٠ خطأً إملائياً ولغويّاً.. قصر “الثقافة والفنون” يناشد السوداني

العامري يحشّد أهالي البصرة للتعداد: سيُزيد فرص التعيين والرعاية والخدمات

لا أحد على رملة الفاو 

“ضغطة الزر المهمّة”.. ماذا يعني افتتاح الأرصفة الخمسة في ميناء الفاو؟