مسناة: متحفُ مدرسة “المحموديّة”

طالب عبد العزيز

  

بما أننا نكتبُ في موقع بصريّ صريح “مرفأ”، وهو عنوانٌ يذكِّرنا بجريدة (المرفأ) الثقافية، التي كانت تصدر في البصرة، قبل نحو من خمسين سنة، لهذا سينصبُّ حديثنا عن المدينة الأحب، وهو جزء من وفاء لها، أو محاولة في استحضارها إلكترونياً، عبر أكثر من مفصل تاريخي وثقافي كان لها، وإن لم يعد قائماً للأسف اليوم.

   يعاد الحديث عن مدرسة المحمودية، كلما صار بعضُنا زائراً لمنزل المربي، والفنان، وكاتب الاوبريتات، والمؤرّخ والشاعر الأستاذ ياسين صالح العبود في أبي الخصيب، الذي كان طالباً فيها مع ثلة كبار ليس أولهم الشاعر بدر شاكر السياب، وليس آخرهم الشاعر سعدي يوسف، المبنى الذي كتب عنه في كتابه “مقالات غير عابرة”[1] قائلاً: “سألتُ طالب عبد العزيز، الشاعر، مؤخراً، عن مدرسة المحمودية، بابي الخصيب، حيث اتممتُ الابتدائية. قال هُدِمَت، إذاً، فأين المكان؟”.

  تتجدد زياراتنا للأستاذ العبود ويتكرر الحديث ولعل ما أثاره الأديبُ الخصيبيِّ شاكر بدر عطية من منفاه بالدنمرك على صفحته في “فيسبوك” أعاد المواجع ذاتها، مستعيداً المبنى الذي هدم بطريقة متخيلة أخرى، عبر مقترح العبود الذي خلص الى أمكانية تحويل (فكرة) مدرسة المحمودية إلى متحف! نعم، المكان الآن بات فكرةً، حيث سيكون ممكناً اتخاذ أيَّ منزل قديم في محيط المدينة ومن ثم تحويله الى مشروع متحف، لن يقتصر على المدرسة المهدمة إنما سيتخطاه الى جمع شتات الاثر التاريخي والفلكلور والفنون والتراث والأعمال اليدوية الخصيبية فيه، ليكون للمدينة ما كان ويكون لكبريات المدن الفاعلة في التاريخ.

  قد تتبلور الفكرةُ فتصبحُ واقعاً، فسأستعين بما كلمني به الأستاذ باسم خلف، قائمقام القضاء قبل أيام، متحدثاً عن إمكانية فعل شيء ثقافيٍّ في أبي الخصيب! ولن أخوض في أعمال اللوجستيك (المكان والكلف والتفاصيل العملية الاخرى) فهي شأنٌ لا أعرفه لكنني، أعرف السبل لتحقيقه، إذا ما توافرت النوايا. بتعداد القرى يتكون أبو الخصيب الذي أُسّس سنة 140 هجرية، من أكثر من ثلاثين قرية، صغيرة وكبيرة، ومع تحويل الأراضي الزراعية الى بيوت وتزاحم الناس على السكن فيه ربما تجاوز عدد سكانه الـ 500 ألف انسان، وبذلك سنكون أمام امتداد تاريخي وجغرافي وتنوع بيئي وحياتي واثني لأكثر من 1350 سنة، يختلف بطبيعته عن باقي المدن العراقية والبصرية أيضاً.

  معلوم أنَّ مبنى مدرسة المحمودية هي من تبرعات الوجيه محمود باشا آل عبد الواحد، النائب في مجلس المبعوثان العثماني، أيام السلطان عبد الحميد الثاني، وكذلك مبنى مركز الشرطة الملاصق لها. لم يبق للمبنيين أثر اليوم، لكنَّ الفكرة ماتزال قائمة في رأس كل حريص على استعادة أثر المدينة. من موقعنا على الورقة الصغيرة هذه نهمس بأذن الذين يمتلكون المال والوجاهة، علنا نجدُ بينهم من مازال يعتقدُ بأنَّ الاحسانَ لا يقتصرُ على بناء المسجد والحسينية والمضيف إنما تتعدّد أوجهه، وتترامى سبله، وأنَّ البرَّ بالأيدي التي صنعت مساكن أجدادنا من الجذوع والسعف والجريد والخوص، يوم كانت الحصران والزنابيل والسلال وما حفظنا فيه الثياب والحاجيات والنقود (إن كان عندنا نقود) كلها تأتينا من المكان هذا.

  إذا كانت حلقات الضياع قد تسببت بفقدان مبنى مدرسة المحمودية ومركز الشرطة وقصر آل الزهير في قرية “المحولة” وقصر الشيخ خزعل الكعبي في قرية “البلجانية” والعشرات من بيوت الوجهاء، فهذه المدينة التي كانت يوماً فاعلة، وحاكمة في التاريخ العراقي جديرة بأن يكون لها متحف، نجمع فيه ما كان لها وفاخرت فيه. كذلك نجد الوقت قد آن للحديث عن مبنى بيت الهارون، على نهر باب سليمان وعن قصور آل طالب النقيب في قرية السبيليات، على شط العرب فهذه مبانٍ تصلح لكي تكون حاضنة لتراث وأثر المدينة هذه.


[1] مقالات غير عابرة – سعدي يوسف –دار التكوين- دمشق 2010.

مواضيع ذات صلة

(استرجاع): هذه المفردات؟!

صورة خامنئي ثم “الوحدة مؤلمة”.. شايع يعتذر عن التواصل بالرسائل بسبب “الحالة الصحية”

السعد: نسعى لجعل مقاطعة نهر الباشا النواة لإنشاء القرنة الجديدة

أبو تراب التميمي: لا أحد أفضل من “الشيخ” أسعد العيداني بما فيهم عدي عوّاد

العمالة العراقية في الشركات الأجنبية تستغيث

بعد موافقته على مشروع بالحيانية.. سند يشكر العيداني: لم يهمل خدمات مناطقنا