عن عيد الاستقلال الذي لا نحتفل به
علي وجيه يكتب
عن عيد الاستقلال الذي لا نحتفل به
علي وجيه
قبل عدّة أيام، احتفت المملكة العربيّة السعودية بعيدها الوطنيّ، وشاهدتُ، مثلما شاهدَ غيري، السعوديين وهم يحتفلون في الشوارع، يضعون العلم الأخضر على أكتافهم، ويهزجون مع “الشيلات” ويدعون بالعمر الطويل لملكهم ووليّ عهده، وهذه الظاهرة نراها سنوياً، لدى السعوديّة وغير السعوديّة، ونرى أصدقاءنا من الجنسيات الأخرى وهم يحتفون بيومٍ وطنيّ كبير، أو مناسبة تجمعهم كلّهم.
اليوم، يحتفل العراق بـ”العيد الوطني العراقي” وهو يوم انضمام العراق لعصبة الأمم عام ١٩٣٢، وكان أوّل بلد عربيّ ينضمّ لهذه المنظمة، في إشارة لاستقلاليّته، ووجود حكومة قادرة على تمثيله.
في جوّ من الاكتئاب العام الذي يضرب العراقيين، لن تجدَ سيّارة في شوارع الكرّادة، أو في البصرة، أو ميسان، وهي تحمل العلم العراقي، أو صورة “جلالة الملك فيصل الأول” أو “نوري باشا السعيد”، لا أتصوّر أن هناك مَن يهتم بهذا الأمر من العراقيين، لعدّة أسباب ربّما، وهذه الأسباب لن تدفعهم للاحتفال بالأوضاع الطبيعيّة، ولا أتصوّر أنها ستدفعهم وسط الانسداد السياسيّ والقلق اليوميّ من الصِدام الشيعي – الشيعي المسلّح، وعدم تشكيل حكومة وغير ذلك من أزمات.
ثمّة قطيعة معرفيّة مع حِقب العراق المتتالية، العراقيون بالمجمل غير معنيين لا بالعراق السومريّ ولا البابليّ ولا الأكديّ، وهم غير معنيين إلاّ طقوسياً بالعراق الإسلامي، وهم يجزّئون ذلك العراق إلى “عراق شخصيّات”، شيعية وسنّية وغير ذلك، ولعلّنا لا نجدُ نقطة واحدة حالياً نتفق عليها، فضلاً عن عيد وطنيّ.
تمرّ المناسبات، والعراقيون منشغلون بالأزمات، لم نحتفل بتحرير كامل التراب العراقي من الإر.هاب، ولم نحتفل بأيّة ذكرى أخرى، نعود لسوبرماركت التأريخ لنأخذ منه ما نشاء لإدامة أزمات حالية، مثل ذكرى انقلاب ١٤ تموز ١٩٥٨ الذي يُعاد لأسباب عنصرية، أو ذكرى الحرب العراقية – الإيرانية التي تُستعاد لأسباب تخصّ المعارضة السياسيّة من جهة، أو لأنساق طائفية من جهة أخرى، ولا أحسبُ أنّ هناك ذكرى يمكن أن يجتمع عليها العراقيون، الذين يفتقدون العراق في يومه هذه، أيّة نسخة منه، أيّة نسخة وإن كانت رديئة!
نحن نمشي في شوارع بلاد نشعرُ بأننا لا نمتلكها، وأن تلك الأزقة يمكن أن يخرج سبب موتنا منها في أيّة لحظة، لا ننتمي إلى مدارسها، لا نطمئنّ لمستشفياتها، ونخاف من مراكز الشرطة فيها، رجل المرور لا يشبه المرسوم في (القراءة الخلدونية)، والعسكريّ ليس ذلك الرجل الذي كنا نشعر بالاعتزاز لرؤيته في البوسترات، لكنه الذي يحشرنا في ازدحام لعدة ساعات، ونعبره دون أن نعرف لماذا!
ليس لدينا عيد وطنيّ بالمعنى الدقيق، لأننا لا نمتلك وطناً بالمعنى الدقيق، إنما هي طبقات من الأزمات، تجعل الانتماء لهذه الأرض ملمحَ تعبٍ وعناء أكثر من انتماء اعتزاز ورخاء، ثمة اكتئاب عام يضرب العراقيين، وخوف من كلّ شيء، وقابلية لاشتعال كل شيء في لحظة، ووسط هذه الظروف، لن تجد عراقياً يهتمّ لانضمام العراق لعصبة الأمم، فأيّ عراق ذلك؟ وأيّ عراق هذا؟
كل المناسبات التي تنسجُ عليها الحكومات عطلاتها الرسمية وأعيادها هي مناسبات للتخلص من عناء، لكنها ليست نقطة شروع لوضع أفضل، بل للدخول بمفصل عناء آخر، وحتى ذكرى تأسيس الجمهورية العراقية، ومئويتها، لم تكن إلاّ فرصة إضافية لجلد الذات، واستعادة تأريخ قرن كامل من الجمهورية التي سحقت، بحكوماتها المتعاقبة والمختلفة، العراقيين بكامل أطيافهم.
العراقيون مستعدون للاحتفال حتى بذكرى دخول جلالة الملك فيصل الأول للحمام للمرة الألف إن اخترتم هذا اليوم، فقط لو قُدّم لهم عراق مُطمئِن، عراق خال من “جاءك الذئب، جاءك الواوي”، وأن تكون على شفا مقبرة وحرب أهلية كل ٥ دقائق!
كل عام وأنتم بخير!!
تعليقات 0