البحث عن ليلة لرأس السنة في “البورت كلاب”

طالب عبد العزيز

سينما الميناء الصيفي او ما تبقى منها في المعقل البصرة 2020.

يقاربُ البعضُ- ممن يستعجلون السؤالَ والإجابة- بين وظيفتي النادي الاجتماعي والبار، أو الحانة، فيقول بأنَّ هذا من هذه، أو هذه من تلك، وهما مكانان لشرب الخمرة، حسب، والبلوغ المتأخّر للبيت، وسط تذمّر الزوجة والأبناء، من ضياع المال والوقت، غيرَ مفرّقينَ بين مكانينِ، ووظيفتين وغايتين.

   الوقائعُ تشير الى أنَّ المَدَنيَّةُ كانت قد قطعت شوطاً طويلاً، قبل أنْ تهتدي الى فكرة النادي الاجتماعي، بمفهومه الذي هو عليه اليوم، والذي أنشيئَ ليضمُّ جماعةً ما، تشتركُ في عمل معين، وتوحّدهم ظروفٌ طبقية ووظيفية، يأتونه لغرض نبيل وسامٍ، ليس أقلّه أخذَ قسط من الراحة فيه، وليس أكثره التفكير في مستقبل الجماعة هذه، والبحث عن سبل ارتقائها وتطورها، وإسعاد أفرادها ومعيتهم، ذلك لأنَّ العملَ، أيَّ عملٍ، فكريٍّ أو عضليّ إنما يأخذُ من جرف عقل وجسد وفكر الانسان، إنْ لم يُدمْ بالترويح، وكسر الرتابة والتسلية البريئة.

  على الصفحات الزرق شاهدتُ أحدهم، وهو أفنديٌّ شاعرٌ، ومقدّم برامج سابق، ومن أبناء الطبقة الوسطى اِتضح من كلامه أنَّ شخصاً ما- لعله ممن يجهل الحقيقة- عابَ عليه، وأبناء طبقته الذهابَ الى النادي الاجتماعي، لأنه، وبحسب وصف الأخير مكانٌ لشرب الخمرة، ولعب القمار، وأنَّ الذاهبين اليه جماعةٌ من المنفلتين أخلاقياً، لا همَّ عندهم سوى عبّ المزيد من كؤوس الخمرة، والعودة الى البيت متعتعين من السكر، ألفاظهم بذيئة، وثيابهم قذرة، وهم محطّ تندِّر الناس، وليس بينهم من يهتدي لمنزله بنفسه، وهم بمطلق الوصف وسخون وسيؤون، لا يختلف على سيرتهم أحد!! .

  لكنَّ الردَّ من صاحبنا الشاعر كان جميلاً، ومستوفياً، لم يخرج فيه عن حدود اللياقة والفهم، حيث قال:” إنَّكَ لم ترهم، ولم تجالسهم، وتشهد مجالسهم التي تنعقد على المحبة والود والحوار النافع، لكنني الشاهد على الأيام تلكم، فقد كنتُ أحدهم، ولم أكُ أفضلهم، فهم أبناء ذوات، وموظفون ناجحون، وأصدقاء صادقون، بينهم الوزير والمدير العام ورئيس الملاحظين والاستاذ الجامعي والضابط الكبير والتاجر الأمين وطالب الجامعة المجتهد وهم صفوة ونخبة المجتمع، رأيتهم وهم يرتدون أجمل الثياب والأحذية، ومن ماركات افرنجية ومعلومة، حليقي الوجوه، وبأحدث تسريحات الشعر، تضوع عطورُهم الفرنسية، فتملأ حدائق النادي في الصيف، وتصير غمامة ورد في أبهائه، يخوضون في السياسة فلا يضارعهم أحد، ويتحدثون بحديث الثقافة والشعر والرسم والفنون فلا تجد بينهم إلّا الأعلى كعباً، والأبعد مراماً.

  وبما أننا في (مرفأ) فلا منتدحَ لنا من أنْ نتحدث بشيئٍ عن نادي الميناء (البورت كلاب) الواجهة الحضرية والمدنية في البصرة، ليس بعيداً عن لياليه الملاح، التي كانت تضارعُ ما كان يقدَّم على خشبته من ندوات فكرية، وأمسيات شعرية وفنية، وعروض مسرحية، وأفلام سينمائية، ومعارض الرسم، ونتطلع بوجوه الذاهبين الى هناك نساءً ورجالاً وأطفالاً، محمولين على أكفِّ الجمال والأناقة، كيف لا، وقد انقضت أيام العمل الاسبوعية، وجاءت ليلة الخميس على الجمعة، وهرعت الجموع تنتقي أجمل ما في خزائنهم من الثياب ، ناسٌ أنيقون ومهذبون في كلّ شيء، انتقوا من الصحبة أجملها، ومن الأمكنة أشرفها، لبَّوا نداء قلوبهم فخرجوا، محفوفين بآيات سويعات قبيل المغيب قاصدين حدائق النادي العريق، مارين ببيوت شارع الاندلس، جنائن الله على الارض، ذات الواجهات الأجمل، والأسيجة الأندى، وقد أخذت كلُّ عائلة مجلسها، على العشب الاخضر الرطب، الى هناك، حيث الندَّلُ ملائكة يطوفون.

   يتحدث أستاذ الإدارة العامة د. منقذ داغر، عضو مجلس إدارة جالوب الدولية، وحامل شهادة كلية الأركان العسكرية العراقية، وهو من مواليد المعقل عن نادي البورت كلاب فيقول: حين دخلت Cosmo) ) نادي النخبة بواشنطن، كانت زميلتي فخورة بانها تُطلعني على أهم واجمل نادٍ في واشنطن، لكنني قلت لها :”بان المكان لم يفاجاني، ففي مدينتي البصرة هناك نادي البورت كلاب، أو نادي النخبة البصرية، إن لم يكن هو الأجمل فانه لا يقل بهاءً وفخامة عمّا أراه الآن”. ويرى داغر بأنَّ الانتساب الى نادي البورت كان صعباً، ويتطلب مقابلة لجنة القبول، التي يرأسها الباشا (مزهر الشاوي) مدير مصلحة الموانئ، وهناك مقابلة تتضمن اختباراً بالغة الانجليزية، ومعرفة بأصول الاتكيت، وبعض المتطلبات الأخرى.”

   ولكي نمنح القارئ صورة قلمية عن النادي نقول” عند الدخول اليه ستواحهنا قاعة الاحتفلات الكبرى، وحين نتجه يسارا سنكون بمواجهة قاعة المكتبة، المغلفة بالخشب الصاج، والمؤثثة بكراسي منجدة ولماعة، وهناك المدفأة الخشبية، ثم قاعة البلياردو، التي يدخن اللاعبون فيها السيجار الكوبي، عندها سيكون مدخل النادي على اليمين، بحدائقه الاربع، التي تضوع منها رائحة زهور الياسمين، وملكة الليل، والجوري والقرنفل، والتي تغص بالرواد في الصيف حيث تقام حفلات الشموع( Candle  lights party) مساء كل اثنين، وحيث ستتراقص الشموع على انغام فرقة عبد الحسن تعبان الغربية أو فرقة نادي الميناء الموسيقية وصوت عباس البصري، وأغاني فؤاد سالم وسيتا هاكوبيان، أو فرقة مجيد العلي.. أما في حفلات رأس السنة فسيتعذر عليك الحصول بطاقة الدخول ومكان الى جوار العوائل المحتفلة حتى الصباح.

مواضيع ذات صلة

يوم “حزين” في البصرة.. ثلاثة حوادث مختلفة تودي بحياة سبعة أشخاص

عطبٌ “يغيّب” الكهرباء عن أهالي حي المهندسين في القبلة

غير مسؤولين عن الخلل.. شركة النرجس “تتبرأ” من عطل أدى لقطع الكهرباء في مناطق جنوب البصرة

تخص الألغام والمقذوفات.. مكتب حقوق الإنسان في البصرة يقدّم 4 مطالب لمجلس المحافظة

صورة البصرة التي نريد

قائد منتخب “إسرائيل” سيتواجد في جذع النخلة لاعباً مع فلسطين