عباس حمزة.. أما زلت على قيد الحياة؟

غسان البرهان*

عباس حمزة

في وادي السلام، بين قبورٍ “صارت قبوراً مراراً”، يبتسم عباس حمزة في صورة مطبوعة على فليكس، لم تنل منها الشمس بعد، حينما يصادفه أحد العابرين ويلاقيه ملاقاة المشتاقين “الله! عباس حمزة”، يترك على مثواه سؤالاً ويرحل: “أما زلت على قيد الحياة؟”.

في 21 نيسان 2023، كانت محطة عباس حمزة الأخيرة إحدى مشافي بغداد، رحيل مبكر باثنين وأربعين عاما أنهكت صحته.

النهاية الصادمة لم تذر التراب على أثر عباس في الحياة، فبعد عقد ونصف العقد من طرح الأسئلة، وجدت الأخيرة طريقها إلى أنفس محبيه ومتابعيه، وأخرى زرعت بذورها في عابرين بين ريلزات الانستغرام أو مقاطع التيك توك القصيرة.

بدأ عباس مسيرته ببرنامج “قوافي” عام 2008، ثم تبعها بـ”الوجه الأخر”، (2010)، و”الساعي” (2011)، و”عود ثقاب” (2012).

لكن شهرته التي منحت له مقعداً في الخلود حاز عليها في برنامجه “حديث العمر”، والذي قدَّمه بين عامَي 2012 و2015، ومن ثم برنامجَي “الطريق” و”أكابر”، خلال عامَي 2016 و2017 واستمرّ في تقديمها حتى أنهكه المرض، أو أنهكته الأسئلة؟!

لم يعد عباس رهين تلقي الوسط الثقافي في العراق، أو متابعين يهتمون بأجوبة ضيف ما، بل تحول أسطورة شعبية خلقتها أسئلة جوهرية نوجهها إلى أنفسنا، ولا ننتظر جاوبها من أحد الضيوف.

ذات مرة قال كاتب عقائدي، وطمأنينة العقائدي في الأجوبة، إن “الأسئلة لا تأخذ طابعاً فلسفياً دائماً، بل تكون أحياناً بوليسية من وظيفة الجلاد”، ويمكن أن ينطبق هذا الوصف تماماً على عشرات البرامج المتلفزة التي تبثُ يومياً، والتي سرعان ما تجد طريقها نحو النسيان.

لكن عباس تجاوز هذا النمط الذي يسيطر على البرامج المماثلة، بأسئلة مباغتة وعميقة تفتح نوافذ على الطفولة والأثر والخيبة والصفح والخسارة والعثرة والتخطي، أسئلة قد لا تصل إلى أجوبة، بل تفتح الباب لأسئلة أخرى.

لكن عباس تجاوز هذا النمط الذي يسيطر على البرامج المماثلة، بأسئلة مباغتة وعميقة تفتح نوافذ على الطفولة والأثر والخيبة والصفح والخسارة والعثرة والتخطي، أسئلة قد لا تصل إلى أجوبة، بل تفتح الباب لأسئلة أخرى.

وادي الأسئلة

لا يتردّد المتابعون الجدد عن بث أسفهم وندمهم على التعرف إليه بعد رحيله.

ومع ذكرى رحيله الأولى، قبل أيام، نشر حساب على انستغرام: “على سبيل المثال أنت المحاور وعباس حمزة الضيف فماذا تسأله؟”، وفي التعليقات تجد أن عباس تشظّى في صدور محبيه: “هل اكتفيت من الأسئلة وغادرت؟”، “ألم ترتوِ بأسئلتك؟”، “متى يموت الإنسان؟”.

يسأل أحدهم: “هل وجدت الأرض مكاناً آمناً للاختباء؟”، وهو سؤال مأخوذ من لسان عباس حينما سأل ضيفاً فقد أخيه غرقًا: “هل تجد الماء مكاناً آمناً للاختباء”، كان جواب الضيف حينها “الغرق في الماء قد يولد العطش”، فكيف سيجيب عباس؟

“أكنت تخاطب نفسك أم الضيوف؟”، بصيغ مختلفة طرح متابعون هذا السؤال الذي تتضح فيه ملامح أسطورة عباس وسرّ التأثر بحواراته التي لم يكبحها قبر ولا زمن ولا نسيان.

* غسان البرهان، كاتب وصحافي.

مواضيع ذات صلة

(استرجاع): هذه المفردات؟!

صورة خامنئي ثم “الوحدة مؤلمة”.. شايع يعتذر عن التواصل بالرسائل بسبب “الحالة الصحية”

السعد: نسعى لجعل مقاطعة نهر الباشا النواة لإنشاء القرنة الجديدة

أبو تراب التميمي: لا أحد أفضل من “الشيخ” أسعد العيداني بما فيهم عدي عوّاد

العمالة العراقية في الشركات الأجنبية تستغيث

بعد موافقته على مشروع بالحيانية.. سند يشكر العيداني: لم يهمل خدمات مناطقنا