طالب عبد العزيز
هل يمكننا أن نستقي من غرق مدينة دبي درساً، نبني عليه مستقبل مدننا في العراق، أو في البصرة بخاصة بوصفها رأس الخليج الأعلى؟ وهل كان في عناية مسؤولنا المحلي ما يمكن حدوثه؟ نتطلع الى أن تلاقي الأسئلة البريئة هذه صدىً في العقل الحاكم، بعيداً عن العواطف والأمنيات، مع أننا نرفع الأكف للسماء، تضرعاً بعدم حصول مثل ذلك! لكن، مع وجوب التعامل معها كما لو أنها ستحدث غداً.
نعتقد جازمين بأنَّ المؤسّسين لدبي وعموم دولة الامارات لم يأخذوا بالحسبان حجم الأمطار التي يمكن أن تسقط عليها، ذلك لأنَّ المنطقة بعامّة لم تكن واقعة ضمن محيط التقلبات الجويّة، وما متوقّع الحدوث فيها يختلف تماماً عن ما يحدث في بعض الولايات الأمريكية أو جنوب شرق آسيا أو غيرها، فالمناخ الاستوائي والشرق الأوسطي عموما هادئ وعاقل إلى حدٍّ ما، ولا ينبئ بمخاطر.. لكنَّ المتغير المناخي فاجأ الدولة وحدث الذي حدث. على وفق هذه يمكننا، نحن في العراق أن نتصوّر حدوث ذلك، وربما ما هو أسوأ، فالعراق بملايينه الاربعين وإمكانياته الخدمية المتواضعة لا يصمد طويلاً أمام الكوارث البيئية المتوقعة هذه.
هل ستسمح لنا إدارة منصتنا “مرفأ” بقول ما هو أعمق من هذه؟ ربما، إذن لنتخيل وقوع البصرة تحت تأثير منقلب مناخي مختلف، كالذي حدث في دبي، ونعاين بعين القلب صورة المدينة وهي تغرق، بل وهي تطفو على بحر من النفايات، إذا ما غضب البحر، وطغى شط العرب، وفاضت أنهارها الأربعة (الخورة والعشار والخندق وشط الترك) بما فيها من مياه الصرف الصحي والإطارات والقناني والدهون والجرذان ودخلت البيوت والأسواق والفنادق والمحال التجارية.. ترى أيُّ صورة للمدينة ستكون؟ وأي رائحة سنحاول تجاوزها؟ ليست هذه نبوءة، أبداً!! لكنَّ ما حدث في دبي قد يحدث في البصرة.
في إحدى زياراتي لدولة الكويت أخذني أحدُ الأصدقاء بسيّارته في جولة بالمدينة، وإذا بنا في شارع حولي عريض، وبمواصفات عالمية، فسألته عن مصممه، وعلى البديهة أجابني بأنه مهندس ألماني!! وأنَّ شركة المانية عملاقة هي التي خطّطت ونفذّت. وبحكم عملي في الصحافة سابقاً، فقد وقفتُ على شيءٍ من قضية التصميم الأساسي للبصرة، وعدد الشركات التي استقدمت وخرجت خائبةً لهذا الشأن، والمشاكل التي رافقت ذلك، فمسؤول يوافق وعضو مجلس يرفض، وحكومة تقترح، وأخرى ترفض وهكذا كنا نتابع ذلك منذ العام 2005 ولفترة طويلة، حتى لم يعد الموضوع يطرح في جلساتها. ولا نعلم كيف وافقت إحدى الحكومات المحلية التي عملت قبل أكثر من خمسة عشرً عاماً على جعل قضاء أبي الخصيب ضمن التوسعة العمرانية للمدينة؟
هل نقول بأنَّ ثلاثة أرباع الأنهار في أبي الخصيب وشط العرب اليوم تحوّلت الى شبكات صرف صحي لعشرات الآلاف من البيوت والمحال التجارية، وأنَّ الانهار التي كانت خاصّة الري والسقي والزراعة تحولت الى برك للمياه القذرة، أو طمرت، وأنَّ المياه السوداء والحمراء والبنفسجية والوردية التي تطفح بمعادنها وأكاسيدها ونتراتها السامّة والمميتة تذهب باتجاه شط العرب وترجع ثانية في حركة المد والجزر اليومية، وهي إسهامة فاعلة في تضاعيف التلوث، وتنبعث منها الروائح الكريهة.
هل نقول بأنَّ ثلاثة أرباع الأنهار في أبي الخصيب وشط العرب اليوم تحوّلت الى شبكات صرف صحي لعشرات الآلاف من البيوت والمحال التجارية، وأنَّ الانهار التي كانت خاصّة الري والسقي والزراعة تحولت الى برك للمياه القذرة، أو طمرت، وأنَّ المياه السوداء والحمراء والبنفسجية والوردية التي تطفح بمعادنها وأكاسيدها ونتراتها السامّة والمميتة تذهب باتجاه شط العرب وترجع ثانية في حركة المد والجزر اليومية، وهي إسهامة فاعلة في تضاعيف التلوث، وتنبعث منها الروائح الكريهة.
كان بالإمكان تفادي ذلك لو أنَّ الحكومة المحلية لم توافق على جعل القضاء ضمن توسعتها العمرانية، وحافظت على البيئة الزراعية بهوائها المنعش وأرضها الصالحة وناسها البسطاء الذين كانوا آمنين فيها … أو أنها في أقل تقدير كانت قد أخذت بالحسبان ما سيكون عليه الحال لا حقاً، من خلال الاشراف والتخطيط وبما يراعى فيه شق الشوارع والأزقة وبناء المنازل والخدمات في التعليم والصحة والأسواق وسواها. ترى لماذا لم يتفادى ذلك؟