الصدر وإعادة التموضع الرمزي

علي وجيه

يُصدر الزعيم العراقي مقتدى الصدر ورقةً بخطّ يده، بطرد أحد عناصر التيّار، لكن هذا الأمر ليس بالجديد، أن يجمّدَ ويطردَ أو يشذّب الصدر أحداً من أتباعه، كان الجديدُ في الكتاب هو عنوان “التيّار الوطني الشيعيّ”، بدلاً عن “التيار الصدري”.

تأتي هذه التفصيلة بعد أن ألغى الصدرُ مسمّى “موكب آل الصدر الموحّد”، داعياً أتباعه إلى “الاندماج مع سائر المؤمنين والمعزّين في وفيّات الأئمة وفي كافة الشعائر الدينية من دون أيّ مسمى غير الإسلام والمذهب والوطن”.

هذه التطوّرات تأتي بعد إشارات واضحة للعودة الصدرية للأجواء، بعد ترك المشهد لعامين تقريباً، خصوصاً بعد الصِدام الدمويّ في المنطقة الخضراء فيما أسماه الصدريون “ثورة عاشوراء”، بعد فوز التيار فوزاً ملحوظاً بالانتخابات التشريعية، وبعد أن أوشكَ هو وبارزاني – الحلبوسي (التحالف الثلاثي) على قلب الطاولة على البيت الشيعيّ الكلاسيكيّ.

ولعلّ واحدة من أبرز أحاديث الصدر لم تحظَ بالانتباه الكافي، وهي كلمة متلفزة، وعلى حدّ علمي هي الكلمة الوحيدة التي يظهرُ فيها الصدر، علاماتياً، أمام مكتبة، فيها الكتب الدينية الشيعية، حيث ظهر الصدر ممسكاً لحيته، متحدثاً بشكلٍ واضح عن “الهجمة الإعلامية التي نتعرض لها، وقلّ فيها المدافعون”.

جلسَ الصدر على طاولة، فيها علمٌ عراقيّ صغير، ووراءه شرحٌ لنهج البلاغة، و”كنز العمّال” للهندي، و”ميزان الحكمة” للري شهري، وأعمال عبد الحسين شرف الدين، و”اليوم الموعود” للسيّد محمّد الصدر، قُدّست أسرارهم جميعاً.

على الرغم من الذهن الستراتيجي للصدر، إلاّ أنه بالمحصّلة بشرٌ أيضاً، وللعاطفة والانفعال دوره في شخصيّة الصدر، وتأثّره أيضاً بِما قيل، ورغم الكثير ممّا يُثار ضدّ التيّار الصدري، وضدّه شخصياً، وحتى ضدّ والده، لكن لم يحظَ أمرٌ بأن يردّ عليه الصدر ردّاً مطوّلاً بقدر غضبه من خدش تشيّعه، وهذا ما تحدّث به بشكل واضح عدد من مدوّني الإطار، وأصواتهم الإعلامية، وشبّهوا الصدريين بشكل واضح على أنهم فرقةٌ جديدة، أو شبه دين جديد مثل “البابيّة”، أو “البهائيّة” أو “الحشّاشين” بالأقل، وتزامنَ هذا في وقتٍ تعرّض فيه التيّار لضربة قاسية فقهياً، إثر اعتزال المرجع الدينيّ السيد كاظم الحائري، وهذا ما ترك التيّار بمنطقة فراغ فقهي، رغم أن الصدر أشار بشكل واضح في بيان آخر إلى أن “النجف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً”، لكن الصدر لم يتحوّل بالتقليد لمرجعية السيستاني، ولم يتحوّل الصدريون كذلك.

عرّض البيت الشيعي الكلاسيكي مقتدى الصدر لإعدام رمزيّ، بمحاولة فرزه عن التشيّع الكلاسيكي، أو التشيّع السياسيّ، وهي ظاهرة تعرّض لبعضها أبوه قبله، وصُوّر الصدر على أنه جزء من “مشروع إماراتي – سعودي” لإضعاف التشيّع، وأن الصدريين ليسوا شيعة بالمعنى الواضح، وأن الصدر هو “ضد التشيّع” بشكل واضح.

عرّض البيت الشيعي الكلاسيكي مقتدى الصدر لإعدام رمزيّ، بمحاولة فرزه عن التشيّع الكلاسيكي، أو التشيّع السياسيّ، وهي ظاهرة تعرّض لبعضها أبوه قبله، وصُوّر الصدر على أنه جزء من “مشروع إماراتي – سعودي” لإضعاف التشيّع، وأن الصدريين ليسوا شيعة بالمعنى الواضح، وأن الصدر هو “ضد التشيّع” بشكل واضح.

يظهرُ الصدر في هذه الكلمة، التي أستغربُ عدم العناية بها ليتحدّث بشكل واضح عن انتمائه للتشيّع، وأن بيت الصدر جزءٌ أساسيّ منه، وهو جزء مؤثّر، لكن انفتاحه على الفضاء الوطني الآخر هو ما يضعُ الزوايا الحرجة أمام خصومه، الذين يبدون بمظهر “المدافعين عن التشيع”، خصوصاً وأن هذه القوى لن تنسى دعم الصدر للاحتجاجات الشيعية عام ٢٠١٩، والتي هدّدت البيت الكلاسيكي بشكل وجوديّ قبل أن تنقلبَ على الجميع، بما فيهم الصدر.

يعيد الصدر تموضعه الآن شيعياً، بعد إشارات عديدة منها محاربته لـ”أصحاب القضية”، والداعين لتقويض وجود المراقد الشيعية، مثل التيارات الصرخية والمهدوية، وكما يحتكرُ الخطاب الصدري الوطنية والمظلومية والابتعاد عن “حكومة بني العباس” فإن إشارة “التيار الوطني الشيعي” ستتيح لكثيرين الانضمام له، من الشيعة وخارج الشيعة، بل وحتى بعض التيارات العلمانية الشيعية التي لم تقطع الأمل بعودة الصدر، ومنها حركة “وعي”.

يغفرُ الصدر حتى الرصاص الذي يتعرض له أتباعه، لكن الأصوات التي ألمحت إلى وقوفه ضد التشيّع، ثم أخرجتْهُ وأتباعه منه، هذا ما لا يُغفر من قبل الصدر، والفترة المقبلة، فترة ما بعد السيستاني والخامنئي، ستشهدُ علوّاً لنبرة الخطاب الشيعيّ لدى الصدر بشكلٍ واضح، الذي كان يُعامل الانتماء للتشيّع بوصفه عنصراً موجوداً، لم يتم التركيز عليه بشكلٍ كاف، كما تم التركيز حتى على الانتماء للمكوّنات الأخرى: الإيزيديين والآشوريين والكرد وغير ذلك.

الفترةُ المقبلة، ستشهدُ استقطاب الصدر سياسيّاً لجزء أساسيّ من مقلّدي مرجعية السيّد السيستاني، وسيُستخدم الإرث الرمزي لآل الصدر إلى أقصاه، انطلاقاً ممّا فعله خصومه، من محاولة فرزه عن التشيّع، مع تشذيب مستمرّ لسلوكيات الصدريين.

إعادة التموضع هذا، ينازعُ فيه الصدر خصومه على عنصر لم يراعِهِ بشكل كاف في الفترة السابقة، وهو احتكار التشيّع مستقبلاً، التشيّع المحلّي، وهو يمتلكُ عناصر تؤهله لاستمرار هذا الاحتكار، انطلاقاً من تلك الحرب الشعواء إعلامياً التي تعرّض لها مع مشروع “حكومة الأغلبية الوطنية”.

ستكونُ مرحلة ما بعد السيستاني – خامنئي مرحلة ساخنة، وسيكون لاعبها الرئيسيّ مقتدى الصدر، منطلقاً من تعدد خطاباته وعلى رأسها تفعيل الخطاب الجديد بشكلٍ حاد: الخطاب الشيعيّ الوطني.

مواضيع ذات صلة

(استرجاع): هذه المفردات؟!

صورة خامنئي ثم “الوحدة مؤلمة”.. شايع يعتذر عن التواصل بالرسائل بسبب “الحالة الصحية”

السعد: نسعى لجعل مقاطعة نهر الباشا النواة لإنشاء القرنة الجديدة

أبو تراب التميمي: لا أحد أفضل من “الشيخ” أسعد العيداني بما فيهم عدي عوّاد

العمالة العراقية في الشركات الأجنبية تستغيث

بعد موافقته على مشروع بالحيانية.. سند يشكر العيداني: لم يهمل خدمات مناطقنا