علي وجيه
انسحبَ الصدر، وسحبَ نوّابه، وغلّقَ الأبواب، لكنه لم يغب عن المشهد لحظة، منذ الصِدامات التي حصلت في “ليلة الهرير” داخل المنطقة الخضراء، والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا الصدريين، الذين اعتصموا وتظاهروا لفترة طويلة.
ظهرَ الرجلُ غاضباً في اليوم التالي، وظلّ الغضبُ حاضراً في كلّ ما يكتبُ ويتحدّث ويظهرُ به، ووراءه جمهورٌ كبير، بجرحٍ نرجسيّ بعد “ثورة عاشوراء”، التي لم تسمح بثني الوسادة للتيّار الصدري، والتحالف الثلاثي، ثم ليتسلّم المقاليد خصومهم الكلاسيكيون، المستمرّون وعلى رأسهم السادة: نوري المالكي، الشيخ قيس الخزعلي، و”الأعدقاء” الذين تتذبذب علاقتهم مع الصدر طيلة عقدين مثل السيّد عمّار الحكيم وحيدر العبادي.
وعلى ما يبدو من غموض الصدر، إلاّ أنّ له نمطاً مُتكرراً، بالمحاولة المستمرّة لأخذ الحجم الذي يستحقّه آل الصدر، والصدريون بشكل عام، دون كللٍ أو ملل، وبدا ذلك واضحاً لحظةَ انتهاء كتابة التغريدات التأمّلية والإيمانية، وبدء الدخول على خطّ مساعدات غرْة، ثم التفعيل الواضح لذكر “الكتلة الصدرية”، ثمّ الاجتماع بمعظم النوّاب المُنسحبين.
لن ينسى البيت الشيعيّ الكلاسيكيّ التهديد الوجودي الذي تعرّض له على يد الصدر وأصدقائه، وهذا الأمرُ، أعني “التهديد” بدأ منذ احتجاجات تشرين، لِذا تقرّر بشكلٍ واضح نحرُ رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي سياسياً وملاحقة فريقه، ثمّ تقويض لرئيس الجمهورية السابق د.برهم صالح حتى في المساحة الكردستانيّة، ثم الالتفات للتحالف الثلاثيّ: الضغط المستمر على أربيل، وما حصل مع الحلبوسي أيضاً.
لكن هذه العناصر لا تنتهي بضغطة زر، خصوصاً مع الصدر، فما يمتلكُهُ الإطار التنسيقيّ مُجتمعاً، يمتلكه الصدرُ مُنفرداً، فهو يمتلك الإرث الدينيّ مثل الحكيم، والسلاح مثل الخزعليّ، والجمهور الانتخابيّ مثل المالكي، ويمتلك جمهوراً سياسو – عقائديّ مستعدٌّ للموت من أجله دون أن يرفّ له جفن، فضلاً عن قبول جزئيّ من القوى العلمانية أو غير الإسلامية.
بدأ الصدر يرمّ من جمهوره، جمهوره الغاضب على “حكومة بني العبّاس” كما اصطلحَ عليها الصدر.
سيميائياً، استخدم الصدر مؤخراً كلّ ما في المتحف الصدريّ من علامات وإشارات تربطه مع نسق أبيه الشهيد الثاني، من الميتسيوبيشي القديمة بزيارته لبيت المرجع السيستاني، وصولاً للعباءة المثقوبة، والنزول بشكل بسيط للأسواق في النجف، ومَن يتابعُ الصفحات الصدرية سيجدُ انتعاشاً من الجمهور، فـ”السيّد” على وشك العودة.
سيميائياً، استخدم الصدر مؤخراً كلّ ما في المتحف الصدريّ من علامات وإشارات تربطه مع نسق أبيه الشهيد الثاني، من الميتسيوبيشي القديمة بزيارته لبيت المرجع السيستاني، وصولاً للعباءة المثقوبة، والنزول بشكل بسيط للأسواق في النجف، ومَن يتابعُ الصفحات الصدرية سيجدُ انتعاشاً من الجمهور، فـ”السيّد” على وشك العودة.
بين البيت الكلاسيكيّ الذي يريدُ خوارزميّة ثابتة للحكم، وتمثيل الجميع، والذي وقف بصلابة ضدّ محاولة الصدر لتغيير جزء من المعادلة، وبين العناصر المنزعجة من الإطار التنسيقيّ، سيلعبُ الصدرُ على تلك المنطقة الفارغة كما يبدو، فأربيل التي ضويقت من بغداد قريبة، والحلبوسي ما يزال يتنفس وله جماهير، فضلاً عن طبقة المحافظين الخدميين الذين أراد الإطار عدم التجديد لهم رغم فوزهم، وحتى شياع الحريص على عدم مسّ الصدر، أو ما يتصّل به في الحكومة، قريب، وإن حدثت انتخابات مبكّرة أو لم تحدث، فمطرُ الحنّانة وشيك.
لكن السؤال الأهم: هل سيعود الصدر إلى اللعبة الكلاسيكية مع خصومه؟ أن يكون موجوداً بحجمه الانتخابيّ، والتلويح بقلب الشارع؟ أم ستكون محاولة ثانية لتغيير شيء من الخوارزمية؟ هذا السؤال الذي لا يعرفُ إجابتَهُ أحدٌ سوى الصدر نفسه، وما يُمكن أن يصدر من ردّة فعل من خصومه الكلاسيكيين.