علي محمود خضير
على غير العادة، كان أسبوع البصرة ممطراً. في وقت تستنفر فيه الدول تقنيات الاستمطار وتطور آليات حصاد المياه، وتستميت لتوفر الظروف المساعدة على هطول المطر، كان البصريون يختبرون الوجه “الحزين” من المطر. فقد داهمت المياه الغزيرة البيوت والشوارع، طوّقت الأحياء وعزلتها، ودخلت المستشفيات حتى حُوصر مرضى القلب بين أنابيب الأجهزة الطبية وبين المياه الطافحة.
“أتعلمين أي حزن يبعثُ المطر؟”. هل كان المطر باعث المشاهد الحزينة المنقولة من القرنة والمْدَيَنَة الأيام الأخيرة؟ بالتأكيد لا.
إنه الصراع السياسي ومضاعفاته.
وفي ظل التراشق الإعلامي وتناقض الروايات وتداخلها ضاعت على الناس الأسباب الحقيقية لما حدث. رغم أن العراقي لم يعد يفكّر بالمحاسبة، قدر حاجته الى توفير الحد الأدنى من متطلبات حياة هادئة وعادية جداً. غرقت الأسباب مع غرق الشوارع، وغرق الجميع بالأخبار، والمناشدات، والنخوات، والهوسات، ولم ينشف حتى موعد كتابة هذه السطور الماء في شوارع القرنة المنكوبة.
تمتلك القرنة ثلاثة من أكبر حقول النفط في العراق والعالم، لكن أبناءها يأكلهم السرطان والفشل الكلوي، محرومون من العمل في الشركات النفطيّة التي تدمّر بيئتهم، وتفسد النزاعات العشائرية حاضرهم ومستقبلهم. ألا يستحقون، في الأقل، “شوارع ومجاري بيها حظ”؟
تمتلك القرنة ثلاثة من أكبر حقول النفط في العراق والعالم، لكن أبناءها يأكلهم السرطان والفشل الكلوي، محرومون من العمل في الشركات النفطيّة التي تدمّر بيئتهم، وتفسد النزاعات العشائرية حاضرهم ومستقبلهم. ألا يستحقون، في الأقل، “شوارع ومجاري بيها حظ”؟
يقاس تطور المجتمعات ومستوى الخدمات الحكومية فيه من أرياف المدن وهوامشها لا مراكزها. ووفق معايير الأمم المتحدة فإن التنمية الحضرية للمجتمعات خارج مراكز المدينة تشمل الارتقاء بالخدمات الأساسية العامة كلها من شبكات ماء وكهرباء وإنشاء طرق وجسور ونظام صرف صحي متطور وترسيخ مؤسّسات التعليم والصحة بأجهزة حديثة لا يضطر معها المواطن للهجرة الى مراكز المدن.
مَن يبكي على الموت البطيء لسكان شمال البصرة جرّاء أذى الصناعة النفطية؟ إذا كان مشروع القرنة قد أودى بعشرة مواطنين في ظرف زمن قصير فإن “فلرات” الحقول النفطية وحرائق الغاز تزرع سمومها في أحشاء الآلاف سنوياً والنسب في زيادة مرعبة.
سيكون مصرع الفتيان في قرنة البصرة قرباناً لانتباهة الحكومة وتغيير إستراتيجيتها إزاء مناطق الهامش في المدن. مكتوب على العراقيين، أبداً، أن يفتح دمهم الطريق الى الغد.