الخاسرون في التحولات العراقية


طالب عبد العزيز

لعل العرب هم الأقرب الى عناية مقولة:” ما اجتمع نفرٌ من الشباب إلا وتحدثوا في ثلاثة أغراض لا رابع لها هي (المرأة والدين والسياسة)” التي كنا نسمعها في مطالع حياتنا مازالت قائمة الى اليوم، ففي معظم المجالس التي حضرناها ونحضرها الى الآن، كانت الاثافي الثلاث هذه أو إحداها هي ما نُقعد عليها قِدْرَ أحاديثنا، وباختلاف المجالس تلك ومرتبة الجالسين فيها، وقد يترتب الحديثُ بحسب مراحل توقده، كأنْ نبدأ بالسياسة، وننتقل الى الدين، وعادة ما ننتهي بالمرأة، التي ستكون عين قلادة كلِّ حديث ونهاية كلِّ قول غثيث.
ومع أنَّ الواقع العربي- العراقي بخاصة محتدمٌ جدّاً، والاحداث تتسارع بشكل لافت، وحملات التخوين والتوريط بالفساد قائمة، وتتصاعد ذروياً، وهو حديث شبه يومي، في البيت والمقهى والسوق والوظيفة وغيرها فقد تراجع الحديث في المرأة لصالح السياسة والدين، بوصفهما مادة التخريب المستعملة عند الفئة الحاكمة، وآلة الفساد التي أتت على كلِّ ما جوهريّ، ونبيل في المجتمع، كيف لا، والعراقيُّ المتحمسُ، الذي اِكتوى وما زال يكتوي بنار ما حدث منذ ربع قرن، يجد في الموضوعين فسحته الممكنة، وساحته الواسعة لإبداء الرأي، والتعصب اليه، والدفاع عنه أحياناً، ذلك لأنَّ المساجد والحسينيات والقنوات الدينية أتاحت له المعرفة الكلية في الدين والفقه والعبادات والمعاملات، ثم أنَّ اِدمانه الجلوس أمام الشاشات وسماعه الحوارات والمناقشات والمناكدات التي يستعرض السياسيون فيها مهاراتهم ليلياً أتاحت له أيضاً أن يكون خبيراً فيها.
إذن، نحن ازاء مواطن تحصَّن بمادتي الدين والسياسة، وصار يدعي معرفتها، أو بات يعرفها عن قرب، فهو يحاور أقرانه ويستخلص الرأي والقول والتصور، وإنْ كان بلا جدوى، فأوضاع العراق بعامة بلا نتائج، وها نحن ومنذ ربع قرن، ندور في حلقة مفرغة، وكلنا يعرف حقيقة ما يجري، ونعرف من الذي أودى بمصائر الناس والبلاد، بل ونعرف أكثر من آلية للخروج، لكننا، ننتهي في الأخير إلى أنَّ البلاد سائرة الى خراب أكثر، ولا سبيل الى خلاص، ذلك لأنَّ القائمين على أمرنا تمكنوا من إفراغنا من أيِّ محتوى وطني، وما نتحدث به في العلن والسر لا يعني شيئاً عندهم، وهم متفقون على إشغال الساحة بعدد هال من الكرات يتقاذفونها بحسب قواعد اللعبة، التي اتفقوا عليها قبل أكثر من 24 سنة.
السياسيون المتدينون أو المتدينون السياسيون وجهان لعملة واحدة، كلٌّ متحالف مع صاحبه ضمن عقد اجتماعيٍّ خلاصته أننا وحدنا من يملك الحل والعقد، فنحن الذين نتحاورُ، ونشرّع، ونفقّه، ونحن من يأخذ بيد الشعب الى الجنة أو الى النار، ونحن من يتحكم بالاقتصاد، ونعرف تسيير أمور البلاد! وهكذا أفرغت البلاد من كل حديث، ولم يعد الشعب يتحدث بالعلم والتطور والصناعة والحريات… لقد أنتجت الطبقة الحاكمة نمطاً انسانياً مشوّهاً، لا يعرف من الدين إلا الجنة والنار، ولا من السياسة إلا ما يجتره هؤلاء في الفضائيات. وبمراجعة بسيطة نجدُ أنَّ الحلال والحرام والجنة والنار وعموم العبادات والمعاملات مفردات انسحبت على المواطن المسكين من متنها الخاص برجال الدين الى تفاصيل حياته الخاصة، التي لم يعد يميّز بينها وما يسرق من حقوقه بدعوى الحلال والحرام والخير والشر والرضا والغضب الإلاهيين، المواطن يحتج بشعار ديني سرعان ما يجد هؤلاء(الساسة المتدينون) السبيل الى إبطاله، بل وتجريمه على ما يقول ويقوم به، لقد استعمروا عقله دون أن يعلم بذلك، فنراه في تفاصيل سرقة القرن يبحث عن الحلال والحرام، والوجوب ونحوه، والحق والباطل… قبل بحثه عن الجرم ومرتكبيه وعمّا أصاب حياته ومستقبل أبنائه.
إذا كانت المرأة من خسر في الحوار العربي، العراقي بخاصة، في قانون الأحوال المدنية الذي يقاتلُ الاشقّاء إقراره، فهي وشقيقها الرجل سيكونان الخاسرين معاً ببقاء مجتمعنا على النمط السياسي الديني الحالي.

مواضيع ذات صلة

منتسبون عبر “مرفأ”: إجازاتنا مُغتصبة بكل مناسبة.. ولم نحصل على أي امتيازات

بـ٥٠ خطأً إملائياً ولغويّاً.. قصر “الثقافة والفنون” يناشد السوداني

العامري يحشّد أهالي البصرة للتعداد: سيُزيد فرص التعيين والرعاية والخدمات

لا أحد على رملة الفاو 

“ضغطة الزر المهمّة”.. ماذا يعني افتتاح الأرصفة الخمسة في ميناء الفاو؟

البصرة تنجز وعدها.. “مرفأ” تنشر ملخصاً لافتتاح الأرصفة الخمسة في ميناء الفاو