حرّمه الصدر الثاني ولا يقتنيه سوى الأغنياء.. هويّة السمك البصري: الصْبور


لن تكون بصرياً صِرفاً إن لم يحل “الصبور” مثل جوهرة في قلادة مائدتك.
ولن تسمى وريثاً لجوّابي البحار وأرباب “المهيلات”، إن لم تملتك مهارة فك لحمه من غابة أشواكه الدقيقة المتشابكة مثل حصيرة خوص في ظهيرة قائظة. عرّيس سماطات البصريين، وحامل روائح الخليج، بدأ يظهر بكميات وافرة في أسواق “النكَعة”، إيذاناً بموسم جديد.
يبدأ موسم سمك الصبور بداية شهر آيار، مع ارتفاع المد الآتي من الخليج، وينتهي في شهر آب مع تصاعد معدلات الرطوبة. فهو لا يتواجد على مدار العام ومن هنا بعض أسباب غلائه ودلاله على البصريين.
والصبور هو السمك الوحيد الذي لا يباع بالوزن (الكيلوغرامات)، بل بنظام القطع. إذ تباع كل سمكتين منه معاً (زوج)، وتتراوح أسعار الزوج بين 25 الف دينار الى 100- 125 الف دينار حسب حجم السمكة ووزنها.
سعر الصبور المرتفع نسبياً على مدى الأزمان عزّز من أسطورته. فلا يقدر البصريُّ على شرائه كل أسبوع. ولغلاء ثمنه، وندرته، اختارهُ البصريُّ طبقاً رئيساً يقدّمه لضيوفه تعبيراً عن الاعتزاز والتكريم.
لكنّ الصْبور نفسه، كان طعامَ الفقير، إلى جانب الباذنجان المشويّ والمقليّ، في سنيّ الحصار الاقتصادي الذي فرضتْهُ الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، لكنّ ندرته التالية، واستيراده بكميات كبيرة من قبل دول الخليج، وبقية محافظات العراق، رفعَ سعره إلى أضعاف مضاعفة، وبطريقةٍ غير منطقية أحيانا.
لكنَّ الكسبة وموظفي الطبقة المتوسطة من معيلي الأسر الكبيرة لن يحسبوا الصيف من أعمارهم إن لم يدخروا مبلغاً يضمن لهم وجبات صبور، وإن كانت قليلة قياساً بأنواع السمك الأخرى، فهي مكافأتهم من لهيب الشمس وأبخرة الهواء الرطب.
يفضّل أهل البصرة “الصبور” لخصوصية طعمه ولذاذة نكهته المميزة، والتي حجزت له مكانة لا تنازع عليها في لائحة مطبخهم الغنيّ والمتفرد بالنكهات والمذاقات. ولن يعيق ذوبان لحمه الأبيض الرقيق كثرة أشواكه فهي رقيقة ناعمة على أي حال. ويقدمونه مشوياً على الحطب غالباً، أو مغموراً بصلصة الطماطم والتوابل في اكلة بصرية تدعى “التثخانة”.
ويصدر الصبور من علوة الفاو الى إقليم كردستان وبغداد وكربلاء والنجف
ما أسهم بارتفاع أسعاره الى الضعف أيام بداية الموسم.
الصبور سمكة بحرية استوائية تدعى (إيليش)، وتشيع في الهند وبنغلادش وأقليم السند بباكستان. مع اشتداد الحر وارتفاع درجة الحرارة، تهاجر أمهات الصبور الحوامل مسافات طويلة لتطرح بيوضها في الأنهار الكبيرة. وبعد أن تولد صغار الصبور تهاجر عكسياً الى مواطنها، وهنا بالضبط تنتظرها شباك صيادي راس البيشة.
يقول الصياد أبو سالم الفضلي لمنصة مرفأ: “الصبور عزيز على أهل البصرة، فقد تعودوا على تناوله مع الحَر أباً عن جد، ويمتاز بنكهته الطيبة، في الأخص مع حشوات النومي بصرة والثوم والبصل وباقي التوابل التي تتميز فيها كل ربة بيت عن أخرى”.
ويضيف الفضلي إن “الصبور سمكة روحها عزيزة بس تطلع من المي تموت” يقول صياد الى جانب العم أبو سالم وهو يرشح الماي المالح على السمكات المرتاصات فوق “فلينة” كالحة.
في التسعينات توجّه بعض الصيادين بملاحظة أن الصبور ضعيف جداً خارج الماء ويموت سريعاً بمجرد التصاقه بالشباك، ما دفع المرجع الشهيد محمّد محمّد صادق الصدر (قدس سره) الى إصدار فتوى بتحريم أكل سمك الصبور إلا إذا أحرز المشتري واطمأن الى خروج “الصبور” من الماء حياً.
وتحضر الصبور في الثقافات الهندوسية على نحو بارز، فهي السمكة التي يتم تناولها في بعض المناسبات الدينية، مثل أعياد “البوجا”، بداية الربيع، ويقدمه بعض الهنود قرباناً الى الالهة لاكشمي. وثمة مثل شهير هناك يقول “تناول الايليش (الصبور) والحصول على وظيفة في الشرطة يستويان في المكانة”.
تتميز السمكة بمحتواها الدهني العالي (دهون نافعة)، واليود، كما تحتوي على أحماض أوميغا 3، وقد أظهرت تجارب تأثيرات خفضها الكوليسترول الضار وضبط معدلات سكر الدم

مواضيع ذات صلة

وفاة أحد وجهاء بني مالك بسبب عطل “مفراس” مستشفى القرنة والمالكي تعلن فتح التحقيق بالحادثة

الفساد بين أصبعي القضاء والإعلام

بعد زيارة بزشكيان.. عبد اللطيف: البصرة ستتحول مقصداً للدول.. تنتج 7 ملايين برميل نفط يومياً

بزشكيان في البصرة.. والعشائر تلبسه “البشت العربي”: الفيحاء تعود للواجهة الدولية

الفريجي عبر “مرفأ”: الأمن الوطني ضبط متهمين يوهمان المواطنين بالتعيينات مقابل مبالغ مالية

تعرض مدير شعبة المعقل للاعتداء بالضرب بسبب نقله أحد العاملين