أيَّ صورة للمدينة نريد!

طالب عبد العزيز

نستثمر الفسحة الممنوحة لنا في المنصّة هذه (مرفأ) ونبيح لأنفسنا القول بأنَّ صورة المدينة من الداخل لا تسرُّ الناظر، وداخلُها الغريبُ سيظنَّ بانَّها مدينة صنعها الموتى والقتلى، من المشايخ والجنود، ولم يُسهم أحدٌ من الأحياء بإعادة بنائها، لذا، لا يحقُّ لحيٍّ، حاسر الرأس، غير ملتحٍ فيها تعليق صورته، في أحد شوارعها وتقاطعاتها، وهي خصيصة هؤلاء وحدهم طال الزمان أو قصر.

  في فريق على الواتساب، معنيٍّ بشأن المدينة، يضمُّ نخبةً عملاقةً من كبار المفكرين والمهندسين والأطباء ورجال الاعمال والبرلمانيين السابقين، وسواهم من البناة الحقيقيين … يشرفني، أنا الفقير لله، أنْ أكون عضواً صغيراً فيه، كثيراً ما يجري الحديثُ عن تطوير المدينة، ووجوب الوقوف مع حكومتها المحلية، والأخذ بيد محافظها، الذي بذل ويبذل ما وسعه، واستطاع اليه، منذ تسنمه مهام إدارتها الى اليوم لتطويرها. مع علمنا بأننا مجموعة غير رسمية، وليس بيننا عضو في الحكومة، ولا نملك قراراً، ولا نفوذاً، وأنَّ كلَّ ما نملكه لا يتجاوز حدود الحرص، والاستشارة، والتصوّر الصحيح، والموقف الوطني الصادق والمخلص، ولا نبتغي من ذلك مالاً ولا منصباً ولا وجاهةً. أبيحُ لنفسي أنْ أطلع أصدقائي في الفريق على مضمون ما أكتب هنا.

لا يمكن لجهة دينية أو سياسية أو اجتماعية، مهما كانت أنْ تختصر تأريخ وحاضر البصرة بها، ولا تملك الحقَّ المطلق في استباحة ساحاتها، وشوارعها بهذه الطريقة، وإنْ كانت قد عملت ما عملت، وقدّمت ما قدّمت، مع يقيننا بأنْ ليس كلّ ما يرفع من شعارات، ويافطات، وصور إنما يتمُّ بأمرٍ من رأس الجهة هذه أو تلك،

  لا يمكن لجهة دينية أو سياسية أو اجتماعية، مهما كانت أنْ تختصر تأريخ وحاضر البصرة بها، ولا تملك الحقَّ المطلق في استباحة ساحاتها، وشوارعها بهذه الطريقة، وإنْ كانت قد عملت ما عملت، وقدّمت ما قدّمت، مع يقيننا بأنْ ليس كلّ ما يرفع من شعارات، ويافطات، وصور إنما يتمُّ بأمرٍ من رأس الجهة هذه أو تلك، لكنَّ اليقين الأكثر تأكيداً هو أنَّ أفراداً يبتغون أمراً ما، لا يخلو من النرجسيّة، والترهيب أحياناً، وفرض الإرادة يقفون وراء ذلك، لعلمهم بأنَّ ما يرفعونه لا يجرؤ أحدٌ على إنزاله، أو العبث به، وإنْ عَمِلَ على تشويه صورة المدينة، أو أشاع الرعب بين أبنائها، وكرّس صورة الخوف، والسطوة، والتهديد فيها، وإنْ عملَ وأدّى ذلك الى هجرة أبناء طوائفها الأخرى، وباتت المدينةُ طاردةً للمستثمرين، والسائحين، والباحثين عن فرصة آمنة في الحياة.

  تحرصُ الحكوماتُ ذات التوجّه المديني المتحضر على أنْ تجعل من لوحاتِ الإعلان، والشاشات الالكترونية رسالة محبّة، وأمن، ومادةَ جذبٍ سياحي، واستقطاب إِستثماري، وهي تنتفعُ من كلِّ متر مربّع في ساحاتها، وشوارعها، وجدران مبانيها، ففي المساحات تلك وفرةٌ من المال، تسهم في تعزيز ميزانية المدن، وتعمل على تطويرها، قبل أنْ تكون عملاً دعائياً يحمل رسالةً بمضمونٍ انسانيٍّ، غايته الأولى منح المواطن والزائر طمأنةً مفادها أنَّ المدينة هذه خاليّة من العنف، والتشدّد، والكراهية، وهي مدينة للأحياء، الذين يحبّون الحياة، ويحرصون على إدامتها، ويعملون على صناعة المستقبل، وليست مدينة للموتى. لا أريدُ أنْ أقارنَ بين صورة الجندي حامل البندقية وصورة الطالب الجامعي ببذلة التخرج فهي معلومة للجميع. وهناك فرق كبير بين القداسة والترهيب، بل ولا يجمعهما جامع، فالمقدَّسُ مصدرُ أمن، ويبعث من مقرِّ إقامته، في أيِّ مكان، برسائل طمأنينة، لأنَّه رسولُ سلام في الاصل، لكنه سيفقد قدسيته حين يتحول الى إداة رعب بيد من لا يريده كذلك.

  نعتقد بأنَّ المعالم البَصَريَّة لأيِّ مدينة في العالم تعبيرٌ عن مضمونها، فمن غير اللائق، مثلاً، رفع صور عارضات الازياء في المدن ذات الطابع الديني، ويجدُ المرءُ البصريُّ حرجاً واعتراضاً أخلاقياً في مشاهدة صور كهذه مرفوعةً بالقرب من مقام ومسجد الأمير علي، في العشَّار، لكنَّ رفعها في سوق المغايز، عند باعة فساتين الأعراس أمرٌ في غاية الجمال والأهمية، كذلك سيكون رفع صور رجال الدين أو من يقف مدججاً بالسلاح خلفهم في السوق هذا، أو الحديقة العامة، والمدرسة، والمول رسالةَ ترهيبٍ، ووعيداً بأمر ما، وسيصبح المقدّس فاقداً لدلالته التي هو عليها.

على الحكومات في البلاد ذات التعددية الدينية والطائفية والاثنية والعراق أنموذج في ذلك، مراعاة ما يرفع من يافطاتٍ، وصور في ساحاتها وشوارعها، فالصورة رسالة خطيرة، وهي محمول ملغوم بأكثر من معنى.

   على الحكومات في البلاد ذات التعددية الدينية والطائفية والاثنية والعراق أنموذج في ذلك، مراعاة ما يرفع من يافطاتٍ، وصور في ساحاتها وشوارعها، فالصورة رسالة خطيرة، وهي محمول ملغوم بأكثر من معنى. ترى، هل ستحمل صورة الحسين بدلالتها العظيمة عند أهل الجنوب رسالةَ سلام إذا رفعت في الموصل أو الرمادي مثلاً؟ ينبغي على القائمين على أمر مدننا أنْ يعوا أهمية أمرٍ كهذا! ولعلنا نقترح بأنْ يستعاض عن جملة الصور واليافطات الخاصة بالشهداء-ولا نسمّي جهةً بعينها- بنصب أو تمثال كبير، يتم اختياره بناءً على مسابقة فنية، بجائزة مالية معتبرة، يصار لها بين مجموعة من كبار النحاتين والفنانين، عراقيين وعرب وعالميين ومن ثم ينصبُ في إحدى ساحات المدينة، ليكون لائقاً بالمعاني النبيلة للشهادة، عوضاً عن البيارق والبنادق والصور التي تهمل دائماً، فتحرقها الشمس، ويتلفها الغبار، ولا تمنح مستعملَ الطريق الصورةَ التي في ذهنه عن الشهادة، ولينقطع بها دابر المنتفعين والنرجسيين.

مواضيع ذات صلة

(استرجاع): إسرائيل وتابعها امريكا

رسالةٌ في الاشمئزاز

ثلاث عشرة ألف فرحة

ضرغام المالكي: وكيل وزارة يتقاضى 121 مليون دينار شهرياً

(استرجاع): من يحكم هذا العالم؟

نفذنا حملة تبرع بالدم..  صحة البصرة: ملاكاتنا كانت جاهزة للإسناد الطبي أثناء لقاء العراق وفلسطين