طالب عبد العزيز
أتذكرُ أنني، وفي حملة إعمار البصرة، التي أمر بها الرئيس الأسبق صدام حسين، سنة 1991 كنتُ واقفاً في ساحة أم البروم، بالعشار، بالقرب من كشك ناصر ابو الجرايد، كانت هناك أعمال بناء، وترصيف وتحجير للأنهار، فحدث أنْ مرَّ الرئيس بموكبه الطويل، أمامي. لم يكن أحدٌ يعلم به، لذا، لم يتنبه اليه أحد، ولمّا أحسَّ بغربته، في المدينة التي استعرت نار الرفض لنظامه منها، دار دورةً على الساحة الصغيرة، لكنَّ لا أحدَ تنبّه أيضاً، ثم دار دورةً ثانيةً، وربما ثالثةً لكنْ لا أحد يهتف، ولا أحد يصفّق، فما كان منه إلا أنْ يترجل من سيارته المصفحة الرجلُ الفاره الطويل، بالنظارة السوداء، ويشير بيده الغليظة، الى الجهة هذه وتلك، حتى تجمّع الناس من حوله، هاتفين ومصفقين.
طالعتنا الصفحات الزرق (الفيسبوك) أمس واليوم عن تذمر العديد من البصريين بينهم نائب رئيس المجلس أسامة السعد من تصرف أعضاء حماية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يزور البصرة، الأمر الذي عبر السعد عن استيائه من ذلك، حيث أشار في تصريح صوتي، إلى “أنَّ القوة المرافقة لرئيس الوزراء لم تحترم أهالي البصرة، وتعاملت معهم بأسلوب غير لائق”.
واحدة من أعقد آليات الحكم في العصر الحديث، وفي الدول النامية وغير الديمقراطية، أو التي تعاني من صراعات في السياسة، وأزمات في الامن، أنَّ المسؤولين فيها يتجولون بجيوش كبيرة من الحمايات، القضية التي تضطرهم الى قطع الشوارع، ونزول القطعات العسكرية داخل المدينة، في أمر لافت للنظر، حتى ليظنُّ الناس بأنَّ انقلاباً وقع، وأنَّ الشرَّ مقبل لا محالة. وبالقياس الى ما تتمتع به الاأظمة الديمقراطية من هدوء وأمان وقبول من أبناء الدول تلك، نجدُ المسؤول العربي، والعراقي بشكل خاص يجعل من زيارته الى المدينة هذه وتلك نكداً على سكانها.
من حيث المبدأ يمكننا إعتبار السيد السوداني مقبولاً من قبل عامة الشعب، فهو رجلٌ من أهل الجنوب، وله في البصرة أهل وعشيرة، وتعتبر فترة حكومته هي الأفضل منذ حكومة المالكي الى اليوم، فالرجل مرضيٌّ عنه من أطراف سياسية كثيرة، ثم أنه مرشح قوى الاطار، التي تملك فصائلها السلاح والمال والحكم، فعلام هذا الجيش من الحمايات، ثم، ألا يكفي عشرةُ أو عشرين شخصاً من المسلحين لحمايته مثلاً؟ أليس من الحكمة تفعيل القوانين الخاصة بحمل السلاح، ومعاقبة الخارجين على القانون، وحجز السلاح بيد الدولة؟ كلُّ مظهر من مظاهر السلاح يجعل المدينة غير آمنة ! لن يكون المواطن والمسؤول آمناً على حياته بالبندقة والمسدس.
سواءٌ أنْ بيّن مكتب رئيس الوزراء ملابسات قطع الطريق، ومنع نائب رئيس المجلس من المرور على الرغم من محاولاته بتعريف نفسه لهم، وبيان المكتب بأنَّ قطع الطريق إنما تم من قبل الشرطة المحلية وليس رجال الحماية فأنَّ قضايا مثل هذه سيمكن تجاوزها لو أنَّ الحكومة الفدرالية قامت باستحداث آلية جديدة ومعالجة قضية بات أكثر تعقيداً، ألا وهي حمايات المسؤولين! من يستقصي حجم الفساد والمال الذي ينفق خلال جولاتهم سيصاب بالذهول. هناك آلاف السيارات المصفحة والملايين من الدولارات المصروفة على شرائها وصيانتها ورواتب جنودها وطعامهم ومنامهم وتنقلاتهم وسوء سلوك بعضهم، الذي ينعكس سلباً على النيافة والمعالي والسيادة وغيرهم.
البصرة آمنةٌ. وموكب المحافظ فيها لا يتجاوز بضعة سيارات، وطالما شوهد الرجل متجولاً بين أهلها على الكورنيش وفي مناطق أخر، لذا، سيكون السيد السوداني آمناً ايضاً، في مدينته، التي جاءها مستبشراً ومستأنساً، مع أهلها، بافتتاح أحد المشاريع النفطية فيها. الآن نضطر الى القول: لا تستنسخوا تجربة رعب الحمايات التي أسس لها صدام حسين. وواضح أنَّ مشكلتنا في العراق أننا لا نراجع ما يحدث، ولا نتعض، ولا نبحث عن الحلول، فجيوش الحمايات هي هي منذ الحرب الايرانية –العراقية والحرب مع داعش الى اليوم، أما الوقت لتغييرها فلم يئن بعد.